الثلاثاء، 31 مايو 2011

دفء الشتاء.


رشقها بكرة ثلج فسقطت على يدها وصرخت من الألم الذي بعثر ضحكاتها
هرول إليها وعبارات الأسف تنهال عليها وهو يقبل رأسها ويحتضنها .. ويمسك يدها ليفركها ويخفف ألمها
هدأت بعد قليل وهو يمسح الدموع من وجنتيها وملامحه تعبر عن قلقه وأسفه..
ابتسمت عندما قال لها: سأحملك إلى البيت فلا تقلقي . وقالت له: الإصابة بيدي وليست بقدمي,  فالتفت إليها وبدا الخجل بعينيه..
تلعثم قليلا ثم أردف قائلا حسنا لا بأس .. ونهضا معا وهي تحاول ترجمة انفعاله وتناست الألم وهما يسيران جنبا إلى جنب ..
مضت السنون وكل شتاء يلتقيان في نفس البقعة ويحاولان سرد موجز الأحداث التي صادفتهما في مسيرة حياتهما ..
ذات يوم كانت الرياح تعصف  والبرودة تشتد مع اقتراب المساء. كانت الليلة السابقة لذكرى تلك الحادثة, وكلاً منهما غارق في بحر الذكريات, ويحاول ترتيب الجمل التي  سيحدث بها الطرف الآخر. توقفت قليلا عن التفكير .. وحدثت نفسها ..هل سأراه غدا؟
لقد سمعت بأنه سيغادر ليكمل دراسته في منطقة أخرى خلال يومين, فهل لديه الوقت الذي يمكنه من قضاء تلك الساعات معي !
لا أريد أن أذهب وأبقى وحيدة في تلك البقعة, إلى أن يحل الظلام..
لا بأس سآخذ قطتي معي وبن أخي الصغير ..
ولكن لماذا آخذهما معا, سيشغلانني عن الحديث معه إذا جاء .. كلا سأكون هناك على الموعد ولن أخذله أو اتشاغل عنه.. واستلقت على سريرها وغطت في نوم عميق.
كان يجلس أمام الموقد يراقب اشتعال الحطب وهو يقلبه يمنة ويسرى ويتأمل الشرر المتطاير .. وصمتٌ يغمر المكان ,ما عدا صوت الريح وهي تدفع بالأغصان فترتطم بالنافذة من الخارج..نظر إلى تلك الحقائب وهي مملوءة بأغراضه التي رتبها بداخلها ..
رحل بفكره إلى المستقبل وكيف خطط لتسير حياته وتحقيق أحلامه. ولكن هل كل أحلامي ستتحقق أو بالأخص حلمي الذي لا زال يراودني منذ سنين.. ولماذا أحتفظ بتلك المشاعر بداخلي وأحرمها من معرفة ما أفكر به تجاهها.! أليس من الأفضل أن أخطو خطوة للأمام وأجعلها جزء مهم من مستقبلي وحاضري .. لماذا أكتفي بها في زوايا الماضي.!
قطعت سلسلة أفكاره خاطرة بأنها لم تفكر به كما كان يفكر بها ..
فاستدرك حيرته.. ولكنها مهتمة بلقائي كل عام في نفس المكان الذي اخترناه ليكون مسكن طفولتنا وميلاد أحلامنا . سأبادر غدا فهي فرصتي الوحيده قبل أن أرحل من هنا..نهض والنشاط قد دب في جسده وأسرع ليختم ليلته الباردة ..
وراودته أحلام ساخنة  ,وأشواقه بدت تطفو على  محياه..
في اليوم التالي كل شيء كان هادئا في ذلك المنتزه .وقبل الظهيرة بدأت الأصوات ترتفع معلنة عن صخب الأطفال وضحكات الكبار..
كانت تقف وهي ممسكة بسلة مليئة بفطائر ساخنة, ومشروبه المفضل..تريد أن تهديه إياها فهي تشتاق لرؤية البسمة على شفتيه,
نظرت إلى تلك الشجرة فاقتربت منها, وضعت السلة جانبا وأسندت ظهرها إليها واحتوتها كل الذكريات والرغبات الحالمة ..
تساقطت دمعة يتيمة على وجنتيها وهي تفكر بما سيكون بعد هذا اليوم .
وهل سيعود وأجده معي مجددا؟
وفجأة  ارتطمت بجسدها كرة ثلج صغيرة تناثرت حباتها على وجهها, فنظرت حولها لعل أحد الأطفال يقترب ويعتذر منها !
لكن رأته هناك في نفس المكان الذي وقف فيه عندما كان يلهو معها في طفولتها فانشرحت أساريرها .
تقدم منها مسرعا وقال: أعتذر ولكن أحببت أن اذكرك بأني سأحملك إلى البيت إذا أصبتك في يدك !!قهقت بصوت عالٍ وقالت ألا زلت تحتال علي لكي ترافقني إلى منزلي,,واحمرت وجنتيها خجلا عندما رأته يبتسم والبريق في عينيه يعبر عن شوق غريب ..
أخفضت رأسها واستدارت لتحمل السلة وتقدمها له فإذا بها تتفاجأ بوردة حمراء تندفع إليها ..
نظرت إليه .. بادر بقوله لماذا لا تسبقيني إلى منزلكِ وسآتي إليكم وأعلن عن رغبتي و سعادتي بالارتباط بكِ..
ابتسمت بخجل وملايين الأسئلة تحاول الخروج من أعماقها ولكن الصمت والشوق لتلك الكلمة حسما الموقف .قالت له أنت تمزح! فأعاد ما قاله على مسامعها ولكن بجدية أكبر.
فمدت يدها واخذت الوردة وهي ترتعش من الفرحة ,فقال أنا أعشقك منذ الصغر وحان الوقت لأعلنها على الملأ. سأكون لكِ وأبقى وفيا لمشاعري تجاهكِ.
فلقد اكتفى قلبي من الصمت والحنين بمفرده. فأنا أعلم ومتيقن من أنكِ وفية لما بداخلكِ تجاهي ولكن الحياء الجميل الذي يغلفكِ. دائما ما يحيركِ..
همست له: سأنتظرك في بيتي وسأكون سعيدة عندما يعلم الجميع بأنك ستكون ملاذا لأحلامي..
حمل عنها تلك السلة وانطلقت مسرعة . وكان يسير خلفها بهدوء .. فكلاهما سيعلنان بداية الشوق والحب الجميل الذي سيعانق روحيهما .

هناك تعليقان (2):

سحابة صيف يقول...

كنت هنا ...

وبرغم الصقيع إلا انني كنت اشعر بالدفء ... ودي

جميل خيالك وشذي

بالغ ودي

Dr. Abeer يقول...

وبالغ احترامي لدفء إحساسك

لا أزال أقول شكرا

فاستمرارك هنا جميل جدا